ادعمنا

مفهوم الصراع الدولي - The concept of international conflict

عند النظر للمسار التاريخي للحياة البشرية، نجد أن الصراع يمثل أحد أهم الحقائق الثبوتية في واقع الإنسان والجماعة على مختلف المستويات والأطر. إذ نجد في إطاره البيولوجي الصراع بين الأجناس والأفراد، والنفسي بما يعانيه الإنسان من صراع مع ذاته، والانثروبيولوجي في الصراع الثقافي، ناهيك عن الصراع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي وغيره من أنماط الصراع المختلفة.

وبالعودة لبعض محطات التاريخ نلاحظ ورود مصطلح الصراع في الحضارات القديمة كالحضارة الإغريقية والرومانية، حيث استخدم مصطلح "صراع الآلهة" للتعبير عن الصراع بين القوى الخارقة في الأساطير الإغريقية كصراع أخيل - Achilles وهكتور - Hector في ملحمة طروادة الأسطورية. وما نجده من صياغة نظرية في أدبيات الإغريق تعكس رؤيتهم للصراع، نجده أيضا في وما بين الحضارات الأخرى، وصولاً للأديان الوضعية ثم الإبراهيمية وما تبع ذلك من تحولات فكرية غيرت من بنية العلاقات الإنسانية وقادت لبناء الدولة الحديثة، الأمر الذي أدى بدوره لبروز مستوى جديد من الصراع تمثل في الصراع الدولي.

تعريف الصراع الدولي

كلمة صراع هي ترجمة لكلمة Conflict بالإنجليزية و Conflit بالفرنسية ويأتي أصلهم من الكلمة اللاتينية Conflictus.

 وتعرف دائرة المعارف الاجتماعية الصراع السياسي بأنه ”موقف تنافسي خاص، يكون طرفاه او أطرافه على دراية بعدم التوافق في المواقف المستقبلية المحتملة، والتي يكون كل منهم مضطرا فيها إلى تبني أو إتخاذ موقف لايتوافق مع المصالح المحتملة للطرف الثاني أو الأطراف الأخرى“

 ويعرف إسماعيل صبري الصراع أنه ”تصارع الإرادات الوطنية وهو التصارع الناتج عن الإختلاف في دوافع الدول وفي تصوراتها وأهدافها وتطلعاتها وفي مواردها وإمكاناتها، مما يؤدي في التحليل الأخير إلى إتخاذ قرارت أو انتهاج سياسات خارجية تختلف أكثر مما تتفق“

أما معهد هايلدبرغ لأبحاث الصراع الدولي - Heidelberg Institute for International Conflict Research فيعرف الصراع بأنه ”تصادم على القيم الوطنية على الأقل بين طرفين من الجماعات المنظمة والدول ومجموعة من الدول والمنظمات المصممة على السعي نحو تحقيق مصالحها ونصرة قضاياهم“ 

كارل دويتش - Karl Deutsch ايضا عرف الصراع ”بوجود أنشطة حادثة أو أفعال جارية تتعارض مع بعضها البعض وهو النشاط الذي لا يتفق مع واحد آخر وهو الذي يمنع أو يعرقل حدوث او فعالية النشاط الثاني“

ويرى ريمون آرون - Raymond Aron أن الصراع ”هو إرادة المجتمع في امتلاك المزيد من الأشياء والعيش بنحو افضل ما يجعل الصراع آلية“

ويكمن تعقيد مفهوم الصراع الدولي في تقاربه مع المفاهيم الأخرى كالتوتر، الأزمة النزاع الحرب؛ من جهة، ومن جهة أخرى، في صعوبة التمييز بين الصراعات الدولية والصراعات الداخلية التي اكتسبت بعداً دوليا بعد الحرب الباردة نتيجة تدويلها من خلال عرضها على المنظمات الدولية دون حصرها على الشأن الداخلي. مما يستدعي التمييز بين الصراع الدولي والمفاهيم الأخرى المرتبطة به :

الصراع الداخلي: وهو الصراع الذي يحدث داخل الدولة والمجتمع الواحد، وتتعدد دوافع هذا الصراع، فمنه العرقي والمذهبي والسياسي على سبيل التعداد لا الحصر. على خلاف الصراع الدولي الذي تكون فيه الدولة طرفا في الحالة الصراعية.

التوتر: يعرفه مارسيل ميل - Marcel Mill على ”أنه مواقف صراعية لا تؤدي مرحليا على الأقل للجوء إلى القوات المسلحة" وهو ما يشير إلى أن التوتر مرحلة سابقة للصراع وأقل في التوجه العدائي“. 

الأزمة: يرى ماكليلاند - David McClelland أن الأزمة عبارة عن "تفجيرات قصيرة تتميز بكثرة وكثافة الأحداث فيها"ونستدل من هذا التعريف أن الأزمة تتسم بعنصر المفاجأة، كما أن مداها الزمنى قصير مقارنة بالصراع الذي قد يطول ولديه ملامح واضحة.

النزاع: يعتبر مفهوم النزاع من أكثر المفاهيم تداخلاً مع مفهوم الصراع، بل إن بعض الباحثين والدارسين يستخدموا المصطلحين كمترادفات، الأمر الذي يتطلب إيضاح أهم الفروق بينهم.

يعتقد إسماعيل صبري أن الصراع يتمحور حول النضال المرتبط بالقيم والأهداف، بينما يمثل النزاع حالة أقل شمولية في محاور الإختلاف؛ كما يرتكز التعارض في الصراع على المصالح، في حين أن النزاع يشير غالباً إلى التعارض في الحقوق القانونية.

 وقد عرفت المحكمة الدائمة للعدل الدولي - Permanent Court of International Justice النزاع الدولي أنه ”خلاف حول نقطة قانونية، أو واقعية، أو تناقض وتعارض للطروحات أو المنافع بين الدولتين“.

الحرب: يعرف هدلي بول - Hedley Bull الحرب ”أنه عنف منظم تقوم به وحدات دولية ضد بعضها البعض“؛ ويظهر من هذا التعرف أن الحرب لها صورة واحدة وهي الصدام المسلح بين أطرافها؛ بينما يأخذ الصراع عدة أشكال فربما يكون سياسي، إقتصادي، اجتماعي، أو أي شكلا آخر. 

١- التفسيرات النظرية لظاهرة الصراع الدولي؛ والتي يمكن دراستها من عدة مداخل: 

 التفسيرات النفسية ويمكن الإشارة إليها في أربعة اتجاهات:

- الاتجاه الأول: يربط هذا الاتجاه بين النزعة العدوانية والطبيعة الإنسانية. ويعتبر سيغموند فرويد - Sigmund Freud إلى جانب كينث والتز - Kenneth Waltz من أبرز دعاة هذا الاتجاه، إلا أن الاختلاف بينهم يتمثل في طبيعة الدوافع لكل منهم.

إذ يرجع فرويد النزعة العدائية إلى غريزة حب التسلط والسيطرة ودافع الإنتقام والتوسع؛ مايجعل الصراع فرصة لإشباع النزعات المكبوتة. بينما يرى والتز أن الصراعات تنتج عن عوامل رئيسية تتمثل في مشاعر "الأنانية والغباء الإنساني" و" سوء توجيه النزعات العدوانية".

- الاتجاه الثاني: ما يعرف بنظرية الإحباط ويأتي الصراع وفقا لهذا الاتجاه كنتيجة لحالة الإحباط، وتزداد هذه الحالة في فترات الأزمات التي تمر بها الدولة. ومن أبرز دعاة هذا الاتجاه عالمي النفس فلوجل - John Flügel  واريك فروم - Erich Fromm.

ويفسر فلوجل الصراع من خلال الربط بين الرضا الشعبي والدافع السيكولوجي؛ إذ يرى أن الشعوب التي تتوفر لها الحاجات الأساسية تكون أقل استعدادا للصراع مقارنة بتلك التي يسيطر عليها الشعور بعدم الرضا. اما فروم فيرى أن شعور الإحباط الناتج عن الصدمة يؤدي حتماً للعنف والميل للتدمير.

- الاتجاه الثالث: الذي يركز على الشخصية القومية؛ ووفقاً لهذا الاتجاه فإن القوة الرئيسية الدافعة للصراعات الدولية تتمثل بالطابع العدواني القومي أو ما يسمى " السيكولوجية القومية العدوانية".

- الاتجاه الرابع: المعتقدات القومية؛ وفي ذلك يمكننا التفريق بين ثلاثة أنماط من المعتقدات القومية:

 النمط السلبي: وهو الإبقاء على الاتجاهات السلبية تجاه الدول الأخرى؛ وسبب ذلك هو محاولة إفراغ شعور الإحباط تجاه الدول التي ينظر لها نظرة عدائية مما يساعد على رفع حدة التوتر بين هذه الأطراف.

 النمط الثابت: ويتمثل فيما ينتج من اتجاهات نتيجة الإبقاء على الصورة النمطية تجاه الأمم الأخرى دون محاولة تغيير هذه النظرة بما يتسق مع الواقع. وفي الغالب إن عدم واقعية التصور ستؤدي إلى توليد العداء نتيجة سوء الفهم.

النمط بالغ التبسيط: وتشير إلى المبالغة في تصور طبيعة مسببات التوتر الدولي وما يلزمها من حلول. ويحدث ذلك في غالب الأحيان نتيجة سوء فهم التركيب المعقد للعلاقات الدولية. وبالتالي الاتجاه نحو لوم أطراف معينة بحجة النوايا السيئة مما يؤدي لاختيار حلول غير سلمية.

٢- المدخل الأيديولوجي

يعتبر التباين الأيديولوجي بين الدول الركيزة الأساسية التي يستند إليها دعاة هذا المدخل في تفسير الصراعات الدولية، كما أن الفهم الصحيح للصراع الدولي لابد أن يستند على ذات التصنيف؛ وتبعا لهذا الاتجاه فإن حدوث الصراع يجعل من الصعب تسويته من خلال المساومة، حيث يمنح البعد الأيديولوجي طابع خاص للصراع ويزيد من تعقيده.

٣- المدخل الجيوبولتيكي

يربط هذا المدخل بين ضغوط البيئة الجغرافية والصراع من أجل بقاء الدولة ونموها كما هو الحال بالنسبة للكائنات الحية التي يعتمد نموها على الحيز المكاني الذي تتحرك فيه. ويستمد هذا المدخل أساسه النظري من الألماني فريدريك راتزل - Friedrich Ratzel الذي يرى أن حيوية الدولة تعتمد على عدم ثبات حدودها، وهو ما يجعل من الحدود عامل محرك للصاراع.

٤- انظمة الحكم 

يفترض هذا المدخل وجود علاقة بين الدكتاتورية والصراع الدولي؛ فتبعاً لبنية أنظمة الحكم الدكتاتورية والعقائد التي تحركها، وما تملك من أساليب، تهدد استقرار المجتمع الدولي، كما أن طبيعة هذه الأنظمة تستدعي في بعض الأحيان إستخدام القوة تجاهها لتعدل من سلوكها.

٥- النظام السياسي الدولي

ويرى هذا المدخل أن بقاء النظام السياسي الدولي مرتكزاً على مبدأ السيادة القومية يشكل المصدر الرئيس للصراعات الدولية وأن التحلل من هذا المأزق يتطلب صهر الإدارات الفردية للدول ودمجها في إدارة عالمية ذات سيادة واحدة.

٦- المصالح القومية

وفقاً لهذا المدخل تكون حماية المصالح القومية هي الدافع الرئيس في سعي الدولة نحو زيادة قوتها لحماية هذه المصالح؛ ويذهب هانس مورغانثو - Hans Morgenthau لإعتبار مفهوم المصلحة مرادف للقوة بمعناها الشمولي، وذلك ما يؤدي بالتحليل الأخير إلى خلق الصراعات.

٧- سباق التسلح

يرتكز هذا المدخل في تفسير ظاهرة الصراع الدولي على سباق التسلح الذي يؤدي لخلق فجوة بين الدول المتقدمة التي لها القدرة على إستثمار الثورة التكنولوجية في تطوير القدرات العسكرية، وبين الدول التي لا تتوفر لديها هذه القدرات؛ وهو ما يحفز الدول المتقدمة على إفتعال الحروب إستغلالاً لهذا الفارق. وعلى الجانب الآخر يعمل سباق التسلح على تهيئة البيئة الصراعية من خلال ما يثيره من شكوك في خضم عمله السري؛ ناهيك عن الضغط بإتجاه الصراع الذي تقوم به مجموعات المصالح المرتبطة بالتطور التكنولوجي.

٨- المدخل الإقتصادي

يعتقد أصحاب هذا المدخل ومن أبرزهم الماركسيون أن التنافس الاقتصادي الدولي يؤدي لخلق حالة من العداء بين الدول المتنافسة، قد تصل احيانا لانتهاج سياسات تتضمن عنف مسلح؛ إضافة لما ينشأ من صراعات بهدف السيطرة على موارد دول أخرى.

٩- المدخل السياسي

 تمثل التحالفات الدولية الركيزة الأساسية لحفظ التوازن بين القوى الدولية، في ذات الوقت الذي من الممكن أن تتجه فيه هذه التحالفات نحو الصراع عند حدوث أي خلل، وهو ما يراه أصحاب هذا المدخل أحد أهم المنطلقات تفسيراً لظاهرة الصراع. فإذا كان الانضمام لحلف دولي بدافع حماية الأمن القومي في ظل بيئة تنازعية، فإن ذلك سيدفع الدول نحو زيادة قدراتها العسكرية وبالتالي زيادة التوتر؛ ثم إن بقاء هذه التحالفات قد يدفع نحو الحفاظ على الأنظمة الداخلية للدول الأعضاء وهو ما قد يتحول لصراع عند محاولة تغيير هذه الأنظمة؛ أما المساعدات الاقتصادية وغير الاقتصادية فغالبا تصبح أداة في إطار هذه التحالفات بحيث تذهب لدول معينة دون غيرها مما يساهم في خلق أو تعميق الشعور السلبي لدى الدول التي حرمت تجاه الدول المانحة، ناهيك عن أن التحالف العسكري قد يمتد ليشمل بناء تكتلات إقتصادية لأعضاء الحلف الأمر الذي يعزز الانقسام في البيئة الدولية، ويساعد في خلق بؤر الصراعات.

 

المصادر والمراجع:

خليل ابو كرش باحث في العلوم السياسية، دراسة بعنوان نظرية الصراع الدولي "غزة 2014"، المركز الديموقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية الاقتصاديو والسياسية، 28 ديسمبر 2017.

هاني سميرات، رسالة ماجستير بعنوان المداخل الانجلوامريكية في دراسة الصراع الازمة الكوبية وايرلندا الشمالية انموذجا، معهد الدراسات الاقليمية- جامعة القدس، 5-11-2016.

محمد طنطاوي، الحروب الأهلية وآليات التعامل معها وفق القانون الدولي، الطبعة الاولى ، المركز القومي للدراسات القانونية،القاهرة، 2015.

اسماعيل مقلد، العلاقات السياسية الدولية-دراسة في الاصول والنظريات،الطبعة الرابعة، المكتبة الاكاديمية، القاهرة، 1991.

بطاهر الزهرة،رسالة ماجستير بنعوان دور الطرف الثالث في تسوية النزاعات الدولية دراسة حالة التدخل األمريكي في شبه الجزيرة الكورية، كلية الحقوق والعلوم السياسية،جامعة عبد الحميد بن باديس مستغانم، 27-7-2019.

احمد وهبان، تحليل ادراة الصراع–دراسة مسحية،الجمعية السعودية للعلوم السياسية،جامعة الملك سعود، السعودية،2014.

حسين العادلي،العراق ومناشئ الصراع، النبأ،العدد 71،حزيران 2004.

بلال قريب،الصراع في العلاقات الدولية:جدل مفاهيمي،الناقد للدراسات السياسية،العدد 1 ،ابريل 2019.

كمال حماد،النزاعات الدولية-دراسة قانونية دولية في علم النزاعات،الطبعة الاولي، الدار الوطنية،لبنان،1998.

علي زياد العلي، المرتكزات النظرية في السياسة الدولية،الطبعة الاولى،دار الفجر،القاهرة،2017.

منير بدوي،مفهوم الصراع: دراسة فى الاصول النظرية للألسباب والانواع، ملتقى الباحثيين السياسيين العرب،مركز دراسات المستقبل،العدد الثالث،يوليو 1997.

ثامرالخزرجي،العلاقات السياسية الدولية واستراتيجية ادارة الازمات،الطبعة الاولي،دار مجدلاوي،القاهرة،2009.

رانيا بلبع و تامر عبدالعظيم، بحث حول ظاهرة الصراع الدولي-دراسة في المفهوم والاشكال والاسباب واساليب الادارة- ، جامعة الاسكندرية، ملتقى الباحثين العرب.

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia